حريــة التعبيـــــر و الرأي: المفهوم والضوابط و العوائق .
تقديــــــــــــــــــم :
تعد حرية الرأي والقول وحق الإعلام في التعبير عنهما أحد أدلة الممارسة الديمقراطية في أي بلد، كما يعد هذا الثالوث مقياسا لدرجة التقــــــــــــدم والتطور فيه أو دلالة على حجم التخلف عن مواكبة العصر والدخول إليه. كما تعد حرية التفكير والتعبير وإعلان الرأي ، مطلبا شرعيا و قيمــــــــة إنسانية تجسد حرية الإنسان، وكل قمع لهذه الحرية هو حط من قيمة الإنسان،كما أن ممارسة هذه الحرية بدون مسؤولية يجعلها بدون معنى، وقــــد وصفت الجمعية العامة للأمم المتحدة حرية التعبير بأنها: “” المحك لجميع الحريـــــات التي تكرس الأمم المتحدة نفسها لها”” ، ويمكن القول بــــأن مجتمعا غير مطلع جيدا ليس مجتمعا حرا …فما المقصود بحرية التعبير؟؟، و ما أصلها؟؟ و ما حدودها؟؟ و ما معيقاتها؟؟ .
المبحث الأول : تعريف حرية التعبير وأهميتها .
حرية التعبير يمكن تعريفها بالحرية في التعبير عن الأفكار و الآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو العمل الفني بدون رقابة أو قيود حكومية بشـــــرط عدم تعارضها شكلا أو مضمونا مع قوانين و أعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير، ويصاحــــــب حرية الرأي و التعبيــــــر علــى الأغلب بعض أنواع الحقوق كحق حرية العبادة و حرية الصحافة و حرية التظاهرات السلمية.. ويجب بداية التفريق بين حرية الرأي وحرية التعبير .
فحرية الرأي هي عملية فكرية يتولاها العقل، تعتمد على عدد من المقدمـــات والفرضيـــات لاستخلاص النتائج، أو الربط بين حوادث موضوعية أو زائفة ،أو بيان الكل بالجزء أو الجزء بالكل، سواء كانت المحاولة صائبة أو خاطئة، أو جـــاء الرأي لإيضاح أو تفسير رأي آخر ، و بالتالي فإنـــــه لا عبرة بالأفكار التي تبقى قيد الذهن، وللرأي ركنين : مرسل ومرسل إليه ، وتشترط وجــود هدف أوغاية من إبداء الرأي، و المرونة في إبداء الـرأي، أي أنه يعرض ولا يفرض .
أما حرية التعبير، فتعني إخراج هذا الرأي الي الناس عبر وسائل التعبير المختلفة ،من كتابة وفن وكلام وحتي لغة الجسد ، وتأتي حرية التعبيـــــــر ضمن منظومة حقوق الإنسان السياسية، حيث تصنف حقوق الإنسان عادة في الفئات التالية:
حقوق الإنسان الأساسية : وتشمل: الحق في الحياة والحق في المساواة, والحق في الحرية.
حقوق الإنسان المدنية : وتشمل الحق في حرية الإعتقاد، والحق في التمتع بالجنسية، والحق في التقاضي والمحاكمة العادلة والسريعة.
حقوق الإنسان السياسية : وتشمل الحق في المشاركة السياسية, والحق في تكوين الجمعيات والإنضمام اليها, والحق في حرية التعبير.
حقوق الإنسان الإجتماعية والثقافية : وتشمل الحق في الأمن, والحق في التعليم، والحق في الأمن الصحي، والحق في العمل، والحق في الحياة الكريمة، والحق في بيئة سليمة.
و تكتسي حرية التعبير أهميتها من ثلاثة أسباب رئيسية على الأقل :
أولها : أن الحق في التعبير عن النفس هو ضرورة و صفة أساسية لكرامة الإنسانية .
ثانيها : أن أفضل طريقة للوصول إلي الحقيقة تتمثل في وجود ” سوق الأفكار ” حيث يتم تبادل الأفكار ووجهات النظر بحرية ، وهو ما لا يتم إلا باحترام حرية التعبير.
ثالثها : أنه لا يمكن أن يكون هناك أي حوار مفتوح ونقاش علني بدون حرية انسياب وتدفق للمعلومات .
المبحث الثاني : بدايات و أصل حرية التعبير .
ترجع بدايات المفهوم الحديث لحرية الرأي و التعبير إلى القرون الوسطى في المملكة المتحدة بعد الثورة التي أطاحت بالملك جيمس الثاني من إنكلتـــــرا عام 1688 ونصبت الملك وليام الثالث من إنكلترا والملكة ماري الثانية من إنكلترا على العرش، وبعد سنة من هذا أصدر البرلمان البريطاني قانــــون “حرية الكلام في البرلمان” .و بعد عقود من الصراع في فرنسا تم إعلان حقوق الإنسان و المواطن في فرنسا عام 1789 عقب الثورة الفرنسية الـذي نص على أن حرية الرأي و التعبير جزء أساسي من حقوق المواطن وكانت هناك محاولات في الولايات المتحدة في نفس الفترة الزمنية لجعل حريــة الرأي و التعبير حقا أساسيا لكن الولايات المتحدة لم تفلح في تطبيق ما جاء في دستورها لعامي 1776 و 1778 من حق حرية الرأي و التعبيـــر حيث حذف هذا البند في عام 1798 واعتبرت معارضة الحكومة الفدرالية جريمة يعاقب عليها القانون ولم تكن هناك مساواة في حقوق حرية التعبير بيـــــن السود و البيض.
ويعتبر الفيلسوف جون ستيوارت ميل من أوائل من نادوا بحرية التعبير عن أي رأي مهما كان هذا الرأي غير أخلاقيا في نظر البعض، حيــــث قال “إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفا فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيـــــــام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة” وكان الحد الوحيد الذي وضعه ميل لحدود حرية التعبير عبارة عن ما أطلق عليـــــه “إلحاق الضرر” بشخص آخر، ولا يزال هناك لحد اليوم جدل عن ماهية الضرر ، فقد يختلف ما يعتبره الإنسان ضررا ألحق به من مجتمع إلى آخر. وكان جون ستيوارت ميل من الداعين للنظرية الفلسفية التي تنص على أن العواقب الجيدة لأكبر عدد من الناس هي الفيصل في تحديد اعتبار عمل أو فكرة معينة أخلاقيا أم لا وكانت هذه الأفكار مناقضة للمدرسة الفلسفية التي تعتبر العمل اللاأخلاقي سيئا حتى و لوعمت فائدة من القيام به ، واستنــدت هذه المدرسة على الدين لتصنيف الأعمال إلى مقبولة أو مسيئة، ولتوضيح هذا الاختلاف فان جون ستيوارت ميل يعتبر الكــــــذب على سبيل المثـــال مقبولا إذا كان فيه فائدة لأكبر عدد من الأشخاص في مجموعة معينة، على عكس المدرسة المعاكسة التي تعتبر الكذب تصرفا سيئا حتى و لو كانــــت عواقبه جيدة.
ثم جاء قرار الجمعية العامه للامم المتحدة رقم 59 (د-1) الصادر بتاريخ 14 ديسمبر 1946 في دورتها الأولى ليكون أول إجماع دولي حـــول هذه الحرية، ثم أضحت فيما بعد قوانين الدول و دساتيرها تسن لتساير هذه القوانين و القرارات و الإتفاقات الدولية…إلى حد ما ، و لو شكليــــــا في بعض الأحيان .
و لعل هذه الشكلية أو الصورية هي ما تجسده بعض الأحداث الدولية بين الفينة و الأخرى، فقد كانت حرية التعبير ،و لا تزال، إحــــــــــدى أساسيات الحديث عن حاضر ومستقبل الوطن العربي. و أيا كان الوضع بـــه، فإنه لا يجهر طرف سياسي أو معنوي واحد بعدائه للتعبير الحر. فقـد يدعي هذا المستبــد أو ذاك أن بلده ينعم بحقل حر لإبداء الرأي والتعبيـر ، لكن ادعاءه سرعان ما يتعرض للانهيار خلال نقاش جدي تستخدم خلالــه وسائل قياس أولية للتمييز بين التعبير الحر والتعبيــر المسيـــر/المقيد… و لعل الثورات القائمة في الوطن العربي حاليا أبـرز مثال و دليل على ذلك ، و لعل مثل تلك الثورات هي ما يعكس اضطرار المستبديـــن العرب، أو غيرهم، للتسليم بسيادة هذه القيمة الأساسية في منظومة حقوق الإنســـان.
المبحث الثالث : حدود و ضوابط حرية التعبير :
إذا كان مآل تلك الثورات ينحى بوضوح لصالح مطالب الشعوب وعموم الرأي العام، فإن الأكيد أن هذا الحق يجب أن تحكمه مجموعة شروط و ضوابط ، كما يطرح عدة أسئلة بشأن كيفية استخدام هذا الحق حتى لا ينحى إلى مناحي أقرب إلى الفوضى منها إلى الحق. يتضح هذا المعنى أكثر عبر طرح المشكلة بصيغة أخرى: ما الذي يفعله أصحاب هذا الحق بحقهم المكتسب؟ كيف يعبرون؟ و ما حدود حرية الرأي و التعبير؟؟.
فبالنسبة لحدود حرية الرأي و التعبير فانها تعتبر من القضايا الشائكة والحساسة، إذ أن الحدود التي ترسمها الدول أو المؤسسات المانحة لهذه الحرية قد تتغير وفقا للظروف الأمنية أو المتغيرات الديموغرافية المرتبطة بالنسبة السكانية للأعراق و الطوائف و الديانات المختلفة التي تعيش ضمن الدولة أو المجموعة، وأحيانا قد تلعب ظروف خارج نطاق الدولة دورا في تغيير حدود الحريات. و لعل من شروط ممارسة ذلك التعبير الحر ما يمكن إيجازه في :
أولا : الحرية في اختيار المواقف و القناعات الشخصية يجب أن تنبع من ذلك الحق الطبيعي في إطار الثقافة و المكتسبات الفردية وليس إملاء من الأخرين أو بناء على آراء و أفكار مسبقة.
ثانيا : الإقتناع بأنه ليس حقا مطلقا، أي أنه تسري عليه القاعدة المنطبقة على باقي الحقوق في اعتبار أن “” حق الفرد ينتهي حيث يبدأ حق الآخرين””…و بالتالي احترام حقوق الآخرين .
ثالثا : عدم استغلال هذه الحرية في:
*القذف (الإفتراء، الطعن) أوالتشهير: من خلال نشر حقائق مزعومة ولكنها غير صحيحة للإساءة لسمعة شخص آخر.
* إثارة الهلع : وهو مقيد بالمعرفة المسبقة بتأثير رأيه المحتمل .
* كلمات الشتائم أوالتجريح: ويقصد بها الكلمات التي يؤدي مجرد لفظها اساءة للطرف الآخر.
* التحريض على الجريمة .
* الإخلال بالآداب العامة أوالإضرار بالآخرين بأية صورة من الأذى المادي أو المعنوي.
* عدم الإخلال بالأمن القومي والنظام العام أو الصحة العامة أو الإضرار باحترام حقــوق الآخرين أو الدعوة إلى التمييز العنصري أو الكراهية وإثارة الفتنة.
رابعا : اعتبار هذا الحق فرصة للنقاش والحوار المفتوح بغرض التأمل المدروس وتمحيص الأفكار وتقييمها إزاء التوقعات، مما يضيف بمرور الزمن آلية أوتوماتيكية للسيطرة على مايتداوله المجتمع من أفكار وأفعال من خلال غربلة الممارسات والتأكد من سلامتها تفاديا للدوغمائية العمياء.
خامسا : ضمان التدفق الحر للمعلومات وحقوق الجماعات والأفراد فى الاتصال … و هو ما تشير إليه العديد من المواثيق الدولية.
سادسا : توفير نصوص قانونية دقيقة و محددة تنظم مسألة حريات التعبير، سواء ما تعلق منها بحريات الإعلام أو الجمعيات أو التجمعـــــــات …و لا يجب أن تكون تلك القوانين مبررا لقمع الحريات بل لتوضيح حدود عملها . .. مع تحديد المفاهيم التي تحتمل أكثر من معنى أو تحتمل التأويل لأكثــــر من معنى من قبيل النظام العام أو الأخلاق العامة.
و الواقع أن هذا الحق يفترض به بناء مجال عام مشترك تحكمه مجموعة من القيم والمفاهيم التي تنظم التعايش والتفاعل بين جميع مكونات المجتمع ومن بين هذه القيم حقوق الإنسان المختلفة وعلى رأسها الحق في التعبير الحر. لكن هذا المجال العام المشترك لا يعني التبعيـــــة أو خضوع طرف لإملاءات طرف آخر .
و الأكيد أن هذا الأمر يحتاج إلى جهود حثيثة ومتواصلة من أجل تحرير المجال المقصود ” حقوق الإنسان و حرية التعبير ” من الأحكام المسبقة والرؤى والتصورات السلبية، ناهيك عن الأغراض السياسية الضيقة التي تختزلها بعض الأحزاب السياسية في كسب الناخبين في صفهم ليوم الإنتخاب ليس إلا. وهذا المجهود لا ينفي وجود مشاكل صعبة يتوجب حلها إذا توفرت الرغبة في التعايش والتفاعل بين مكونات المجتمع ، سواء المجتمع في نطاقه الضيق : الدولة ، أو المجتمع الدولي ككل. وفى سبيل الإسهام فى معالجة اختلال التوازن ولمساعدة البلدان النامية، وضعت بعض المنظمات و المؤسسات الدولية برامج تدريب ساعدت فى وضع سياسات وإنشاء مرافق أساسية تتسم بالفاعلية تعكس أهمية الاتصالات في خلق التنمية .
لكن الجهد الأساسي الواجب بذله فى الأعمال المتصلة بحق الاتصال ينبغي أن يقوم أساسا على محاولة إعداد مفاهيم ومناهج تناسب تطور الوضع العالمي . ولهذا الغرض لابد من تكوين مفاهيم متعددة الثقافات ومن تطبيق أراء ووسائل فكرية جديدة فى الاتصالات وفى المجالات المتعلقة به ، ومن الاهتمام ليس فقط بالتكنولوجيا بل أيضا بسياسة قائمة على تقدير احتياجات المجتمعات والأفراد…و قد بذلت في هذا الصدد محاولات كبيرة من الفقه ورجال القانون لضبط مفاهيم واضحة للمصطلحات المتعلقة بالتحديدات والتقييدات التي تفرض على حقوق الإنسان والحريات الأساسيــة ، إذ لا يوجد تعريف دولي موحد لمفاهيم ومصطلحات مثل (( احترام حقوق الغير وحرياته )) و (( الأخلاق )) و ((النظام العام )) و (( الأمن القومي )) و (( الرفاه العام ))، لكن هذه المفاهيم و المصطلحات تعبر عن أفكار غير محدودة الوقع ولا يمكن تقييم مضمونها إلا عمليا على ضوء التغيرات الدائمة التي تطرأ على ظروف وأوضاع الحياة الحديثة فى المجتمع العالمي،لكنها فى الأساس مفاهيم تهدف الى المحافظة على توازن منصف بين حقوق الفرد وحرياته فى مجتمع ديمقراطي وبين الرفاه العام للمجتمع ككل…أو على الأهح ذلك ما يفترض بها أن تهدف إليه .
المبحث الرابع : عوائق حرية التعبير في العصر الراهن :
الظاهر أن المشكلة التي تواجهها اليوم ممارسة حق التعبير الحر في العديد من الأوطان ، العربية من جهة، و حتى الأوربية أو الأمريكية من جهة أخرى، ينطوي على ازدواجية غريبة و فاضحة في تعامل و رؤية هاته الأخيرة للوضع القائم بوطننا العربي، فإذا كان التشابه قد لا يكون تاما بين الجانبين ، فالأكيد أن لكل منهما نصيبه في ذلك .
و لعل هاته الإزدواجية تظهر بشكل واضح من خلال الإعلام و ما تتعرض له بعض القنوات الفضائية في تغطيتها لبعض الأحداث العالمية أو المحلية، و تحضر في هذا الصدد أمثلة من قبيل غزو العراق والعدوان الصهيوني الدائم على الشعب الفلسطيني…كما يحضر نموذج قناة الجزيرة و تغطيتها للثورات التي تجتاح العالم العربي في الوقت الراهن، و إن كانت لتلك القناة “سوابق” أخرى في العمل الصحفي النزيه، و الذي لا ترضى عنه بعض أو كثير من الحكومات الغربية و العربية على السواء ، فطبيعة تلك الحكومات تكاد تكون للأسف طبيعة واحدة. مع فارق بسيط يمكن تلخيصه في كون الجانب العربي معروف عنه التضييق أو حتى المغالطة و الكذب في بعض المعطيات الإعلاميـــة – كما يحدث بليبيا حاليا- ، بينما الجانب الغربي يحاول جاهدا “تجميل الوقائع” و استخدامها لمصالحه ، كما حدث مع الصحافة الإسبانية و مغالطاتها المتكررة إزاء الأحداث الأخيرة بالعيون ….و في الوقت الذي يسود قلق غربي غير مفهوم إزاء استخدام “قناة الجزيرة” وغيرها من القنوات العربية لحق التعبير الحر ، فإنها تحاول جهدها التضييق على تلك القنوات،ولعل هذا القلق يفسر تجاهل الرأي العام للمتاعب القضائية التي اعترضت مثلا قناتي “الجزيرة” و “المنار” في مدريد وباريس في وقت سابق، كما يفسر تهجم بعض وسائل الإعلام الأوروبية على القناتين والتعامل معهما بوصفهما غير جديرتين بالانتماء إلى فضاء الصحافة الحرة …في حين أن تلك القنوات أو الحكومات الغربية تعتبر صحافتها فوق كل شبهــة و فوق كل اعتبار، و تثير العالم ببرامج تتحدث عن خطف الصحافيين الغربيين – في العراق مثلا و أفغانستان – وتعرضهم للأذى وعرض صور وأسماء الضحايا الغربيين دون الإشارة إلى استشهاد صحافيين عرب كثر في هذا البلد أو ذاك أثناء ممارسة عملهم ومن بينهم مراسل “الجزيرة” طارق أيوب ، أو مصور الجزيرة علي حسن الجابر،و غيرهما، ناهيك عن منع محطة الجزيرة من العمل في العراق أو اليمن بسبب تمسكها بحقها الطبيعي في التعبير الحر، و ناهيك عن اعتقال أحد المراسلين أو المصورين بتلك القناة في معتقل غوانتانامو.
و الأكيد أن أحدا في أوروبا أو أمريكا ما كان ليقلق لو أن الأمر يتصل بوسيلة إعلامية تافهة، فالقلق ناجم إذن عن إدراكها لدور مثل تلك القنوات في التأثيرعلى الرأي العام العربي أو الدولي، و قد اعتبرت مؤسسة استقصاء أمريكية من خلال استفتاء أجرته في المشرق والمغرب العربي أن “الجزيرة” التي أنشأت منذ أقل من عشر سنوات فقط ـ بالمقارنة مع مؤسسة قرنية كالأهرام في مصرـ تحظى بالمرتبة الأولى في العالم العربي وتليها في مرتبة أبعد قناة “المنار” اللبنانية. ولا شك في أن تصدر “الجزيرة” هو ثمرة طبيعية لالتزامها قواعد التعبير الحر وليس لأن ملايين مشاهديها من المتعاطفين مع الإرهاب كما توحي بعض التعليقات العنصرية الأمريكية…و لعل ما يثير الشفقة على تلك النظرة الإزدواجية الغربية هو أنها في الوقت التي تدعي مساندتها للديموقراطية و حرية التعبير في العالم العربي، فهي نفسها من يعاقب كل من تجرأ على ممارسة ذلك الحق الديموقراطي في التعبير الحر إن كان لا يتماشى و أهوائهم…فكيف يكون التعبير حرا إذا ما كان مشروطا بمقابلة فلان والامتناع عن مقابلة علان، أوحجب هذا الخبر ونشر ذاك، والنطق بهذا الرأي وعدم النطق بذاك.
خلاصــــــــــــــــــــــــة :
ترتبط حياة الأمم و تقدمها ارتباطا وثيقا بثالوث أساسي لا يمكن بناء المم الرائدة إلا من خلاله، إنه ثالوث : العلم و الديموقراطية و الحرية، فلايمكن تصور فاعلية أي منها من دون رفيقيه، و لعل هذا ما اضحت بعض الأمم و المجتمعات تتنبه إلى أهميته المحوريةن و كلنا امل ان تستفيق عليــــــــه الحكومات فعلا لا قولا فقط … وصدق الفيلسوف جون ستيوارت ميل حين قال : “إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هناك شخــــــص واحد فقط يملك رأيا مخالفا، فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيـــــــام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة” … فحرية التعبير لا تتجزأ، إما أن تكون أو لا تكون .
المراجـــــــــــــــــع :
· http://www.iwffo.org/index.php…
لكاتبها: الأستاذ مجدي حلمي. بموقع الكتاب العرب الباحثين عن العدالة والمساواة والحرية حريةالرأي والتعبير واحترام الخصوصية وحقوق المجتمع مقالة :
موقع اللجنة العربية لحقوق الإنسان.. مقالة : “حرية التعبير في العالم العربي…بين الاستبداد العربي والأحكام الأوروبية المسبقة”” للأستاذ: فيصل جلول.