الحق في حرية الرأي والتعبير
الحق في حرية الرأي والتعبير حق أساسي يظهر في عدد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية. وتعتبر المادة 19 في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الإطار الدولي الأساسي الذي يقنن هذا الحق. وتنص المادة 19 على ما يلي:
1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة؛
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها؛
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
ويعتبر الحق في حرية الرأي والتعبير عموما بأنه الحق الأساسي الذي يشكل إحدى الدعائم الجوهرية للمجتمع الديمقراطي. والأحداث التي شهدتها تونس ومصر مؤخرا هي الدليل القطعي على ذلك. فالاحتجاجات الجماهيرية الواسعة التي شهدتها تونس والتي أدت إلى الإطاحة بالرئيس بدأت بسبب عدد من المطالب المتعلقة بالانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان وكان من بينها وقد يكون من مقدمتها القمع المستمر والمنهجي لحرية الرأي والتعبير والتجمع وقمع المجتمع المدني وحركة حقوق الإنسان بشكل خاص. ولقد اتخذ التطلع إلى الديمقراطية أولا شكل التوجه إلى التعبير عن الآراء والمواقف. وفي مصر التي شهدت قمع المدونين ونشطاء حقوق الإنسان، خرج المطالبين بالديمقراطية إلى الشوارع والميادين باحتجاجات واسعة. وجاء رد الأجهزة الأمنية على ذلك بحملات اعتقالات واسعة طالت الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بالإضافة إلى تكبيل الأفواه وقمع حرية التعبير والرأي وتداول المعلومات من خلال إغلاق شبكات الهاتف والانترنت في محاولة لعزل مصر عن العالم.
قد يكون من المستحيل الإلمام بجميع الجوانب المتعلقة بهذا الحق لاتساعه وعلاقته باحترام وحماية حقوق الإنسان عامة. لذلك سأسلط الضوء على بعض الجوانب المختارة.
طبيعة الالتزام بالحق وإمكانية تقييده
من الضروري التأكيد أولا ان الحق في حرية اعتناق الآراء هو حق مطلق لا يسمح تقييده في أي ظرف من الظروف كما يشمل الحق في تغيير الآراء. ولا يسمح بالتمييز ضد أي شخص أو تقييد أو انتقاص أي من الحقوق الأخرى بسبب آراؤه او آراؤها الحقيقية أو المزعومة. وهذا الجانب من الحق يشمل الحماية لكل ضروب الآراء، بما فيها الآراء السياسية والدينية وغيرها التي قد تكون مخالفة لتلك التي تتبناها الأغلبية في البلاد أو التي تغاير أو تنقد أو تناقض تلك التي تتبناها أجهزة الدولة أو الحزب الحاكم. أما ما يسمح تقييده فهو الحق في حرية التعبير عن الرأي. إلا أنه عندما تفرض دولة القيود على ممارسة حرية التعبير، لا يجوز أن تعرض هذه القيود الحق نفسه للخطر. وتضع الفقرة 19 (3) شروطا، لا يجوز فرض القيود إلا بمراعاتها بحيث يجب أن “ينص القانون” على هذه القيود وأن يكون النص في القانون في غاية الوضوح والدقة بحيث يسمح لأي فرد أن يعلم متى تكون أفعالا معينة مخالفة للقانون. ولا يجوز أن تفرض القيود إلا لأحد الأهداف المبينة في الفقرتين الفرعيتين (أ) و(ب) من الفقرة 3؛ ويجب أن تكون “ضرورية” لتأمين أحد تلك الأهداف. ومن الضروري حماية حق الشخص في التعبير عن رأيه/ها أو عدم الإفصاح عن هذه الآراء. أي انه من غير المسموح أن يجري إكراه شخص ما على الإفصاح عن آراءه/ها.
أما الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 2004، فقد جاء مخالفا لهذا المبدأ الأساسي في القانون الدولي حيث انه سمح بتقييد حرية الرأي والتعبير. ونصت المادة 32 من الميثاق العربي على أن:
1- يضمن هذا الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية؛
2- تمارس هذه الحقوق والحريات في إطار المقومات الأساسية للمجتمع ولا تخضع إلا للقيود التي يفرضها احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
والمؤشر الآخر السلبي في إطار جامعة الدول العربية هو تبني وزراء الإعلام العرب “مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي في المنطقة العربية” في إطار جامعة الدول العربية في شباط 2008. وبحسب الوثيقة تلتزم هيئات البث ومقدمو خدمات البث الفضائي وإعادة البث الفضائي بمراعاة قواعد عامة منها “عدم التأثير سلبا على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية والنظام العام والآداب العامة”. وتقوم المبادئ بوضع معايير وضوابط تلزم هيئات البث ومقدمو خدمات البث وإعادة البث الفضائي بتطبيقها احتراما لكرامة الإنسان وحقوق الآخر، واحترام خصوصية الأفراد والامتناع عن انتهاكها بأي صورة من الصور، والامتناع عن التحريض على الكراهية أو التمييز القائم على أساس الأصل العربي أو اللون أو الجنس أو الدين، والامتناع عن بث كل شكل من أشكال التحريض على العنف والإرهاب (إلا أن الوثيقة تفرق بينه وبين الحق في مقاومة الاحتلال)، ومراعاة أسلوب الحوار وآدابه، واحترام حق الآخر في الرد، مراعاة حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في الحصول على ما يناسبهم من الخدمات الإعلامية والمعلوماتية تعزيزا لاندماجهم في مجتمعاتهم. إلا أن الوثيقة تضيف معايير بلغة فضفاضة قد تخضع لتفسيرات عامة تؤدي إلى تقييد الحق في حرية الصحافة والتعبير. ومن بين هذه متطلبات “الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع العربي”، و”الامتناع عن بث كل ما يسيء إلى الذات الإلهية والأديان السماوية والرسل والمذاهب والرموز الدينية الخاصة بكل فئة”، و”الامتناع عن بث وبرمجة المواد التي تحتوى على مشاهد أو حوارات إباحية أو جنسية صريحة”، و”تلتزم هيئات البث ومقدمو خدمات البث وإعادة البث الفضائي بتطبيق المعايير والضوابط المتعلقة بالحفاظ على الهوية العربية في المصنفات التي يتم بثها، بما في ذلك الرسائل القصيرة «أس أم أس»”، و”الالتزام بالموضوعية والأمانة باحترام كرامة الدول والشعوب وسيادتها الوطنية وعدم تناول قادتها أو الرموز الوطنية والدينية بالتجريح”.
ويشكل الالتزام بضمان الحق واجبا إيجابيا بالقيام (أ) بحماية الأفراد من الأفعال التي ترتكبها جهات من غير الدول، (ب) وإعمال الحق أو تيسير التمتع به من قبل أجهزة الدولة. ويقتضي الالتزام باحترام الحقوق أن تمتنع الدول وجوبا عن تقييد ممارسة جميع الأفراد للحق في حرية الرأي والتعبير، إلا في حال استيفاء معايير معينة بموجب المادة(3) من العهد. وكثيرا ما تلجأ الدول إلى ذلك البند لتبرير تدخل لا داعي له في حرية التعبير ﺑﻬدف منع فضح ما ترتكبه الحكومات أو الكيانات الخاصة ذات النفوذ من فساد وسوء سلوك. وكثيرا ما يتم الإبقاء على قوانين عفا عليها الزمن، مثل القوانين المتعلقة بإثارة الفتن، والقواعد التي تمنع نشر أنباء كاذبة والتي يُعاَقب بموجبها من ينتقد الحكومة، وأيضا ممارسة النفوذ السياسي أو السيطرة السياسية على وسائل الإعلام العامة، وفرض شروط التسجيل على وسائل الإعلام أو شروط استخدام شبكة الإنترنت أو النفاذ إليها، وسيطرة الحكومة المباشرة على الترخيص لهيئات البث أو تنظيم عملها، وإساءة استخدام الدعاية الحكومية أو غيرها من سلطات الدولة، وملكية وسائط الإعلام أو السيطرة عليها سيطرًة ذات شأن من جانب الزعماء السياسيين أو الأحزاب السياسية، والدعاوى القضائية ذات الدوافع السياسية التي ترفع ضد وسائل الإعلام المستقلة.
كما وكثيرا ما تستخدم القوانين التي تُجرِّم التشهير أو السب أو القذف الذي يمسّ شخصًا ما أو شيئًا ما والتي لا تزال سارية في معظم البلدان والتي تمثل ﺗﻬديدا تقليديا آخر لحرية التعبير. إن عدم اشتراط العديد من القوانين عل إثبات المدعي العناصر الأساسية للجريمة، مثل الزيف والخبث، يجعل إساءة استخدام هذه القوانين أمرا غاية في السهولة. كما وأن استخدام القوانين التي تعاقب على نشر بيانات أو حماية سمعة الهيئات الحكومية، ورموز الدولة أو أعلامها، أو سمعة الدولة ذاﺗﻬا، وحماية المعتقدات أو المدارس الفكرية أو الإيديولوجيات أو الديانات أو الرموز الدينية أو الأفكار، واستخدام مفهوم التشهير الجماعي لتجريم التعبير خارج النطاق الضيق للتحريض على الكراهية، وفرض عقوبات قاسية غير مبررة مثل عقوبة السجن، والأحكام مع وقف التنفيذ، وفقدان الحقوق المدنية بما في ذلك حق ممارسة مهنة الصحافة، وفرض الغرامات المفرطة ما زالت من التهديدات الأساسية لحرية الرأي والتعبير. ولقد شددت هيئات الأمم والمتحدة مرارا على ضرورة قيام المسؤولين الحكوميين والشخصيات العامة بالسماح بالنقد بدرجة أكبر مما هو مطلوب من المواطن العادي.
ومن الضروري الإشارة إلى أن العديد من هيئات الخبراء للأمم المتحدة أكدت أن القيود على الحق في حرية التعبير يجب أن تشكل الاستثناء لا القاعدة . وكما تشير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والمسؤولة عن الإشراف على تطبيق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أنه ينبغي على الدول لدى اعتمادها القوانين التي تنص على القيود المسموح بها أن تسترشد دائماً بالمبدأ القائل بعدم إعاقة جوهر الحق من جراء القيود. وينبغي للقوانين التي تجيز تطبيق القيود أن تستخدم معايير دقيقة، ولا يجوز لها أن تمنح المسؤولين عن تنفيذها حرية غير مقيدة للتصرف حسب تقديراتهم. كما ويجب أن تراعي القيود مع مبدأ التناسب؛ ويجب أن تكون ملائمة لتحقيق وظيفتها الحمائية؛ ويجب أن تكون أقل الوسائل تدخلاً مقارنة بغيرها من الوسائل التي يمكن أن تحقق النتيجة المنشودة؛ ويجب أن تكون متناسبة مع المصلحة التي ستحميها.
إلا أنه غالبا ما تتضمن قوانين العقوبات وقوانين الصحافة على الصعيد الوطني، أحكاما مبهمة تجرِّم انتقاد الحكومة أو كتابة تقارير عن مواضيع حساسة سياسيا أو اجتماعيا، وتستخدم ليس لمعاقبة الصحفيين المحترفين فحسب، بل ما يسمى “بالمواطنين الصحفيين” أيضا، على رغم مساهمة المواطنون الصحفيون في إثراء التنوع في وجهات النظر والآراء، بما في ذلك المعلومات عن مجتمعاﺗﻬم المحلية والفئات التي تحتاج إلى عناية خاصة، مثل النساء والشعوب الأصلية والأقليات، والدور الرقابي الحاسم الذي يضطلعون به في البلدان التي تنعدم فيها حرية الصحافة. وعلى الرغم من عدم وجود تعريف موحد لصحافة المواطنين بحد ذاﺗﻬا، يفهم عادة من هذا المفهوم التقارير الإخبارية المستقلة التي يقدمها، في كثير من الأحيان، هواة من مسرح الحدث، والتي تُنشر عالميا من خلال وسائل الإعلام الحديثة، عن طريق شبكة الإنترنت عموما. ويتعرض المواطنين الصحفيين أكثر من الصحفيين المحترفين للاعتداءات. ومع ذلك، يحظى المواطنون الصحفيون بحماية أقل من نظرائهم في وسائط الإعلام التقليدية.
وفي كثير من الأحيان، تستخدم قوانين الطوارئ أو قوانين الأمن الوطني لتبرير القيود المفروضة على قيام المواطنين الصحفيين بالتعبير عن وجهات نظر أو نشر معلومات عن طريق شبكة الإنترنت، وغالبا ما يكون ذلك التبرير على أساس حماية مصالح وطنية، لا يجري تحديدها بوضوح، أو الحفاظ على النظام العام . وفي حالات أخرى، جرى اعتماد قوانين أو مراسيم تنظم بشكل واضح التعبير عن الرأي على الإنترنت واستخدمت لتقييد التعبير السلمي عن الرأي والأفكار .
واحد الجوانب الهامة من حرية الرأي والتعبير هو الحق في الوصول إلى ونشر المعلومات. ولقد تم الاعتراف على نطاق واسع، في السنوات العشر الأخيرة، بالحق في المعلومات بصفته حقا أساسيا من حقوق الإنسان . ويجب أن يشمل هذا الحق الوصول إلى معلومات من مصادر حكومية وقضائية. ولهذا علاقة وطيدة بدور المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية الذين كثيرا ما يتعرضون للمضايقة بسبب نشرهم معلومات تود جهات حكومية الإبقاء عليها طي الكتمان. لذلك، ينص الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية اﻷفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالميا (والمعروف بإعلان المدافعين عن حقوق الإنسان) على أنه:
“6) لكل شخص الحق، بمفرده وبالاشتراك مع غيره، في:
(أ) معرفة المعلومات المتعلقة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وطلبها، والحصول عليها، وتلقيها، والاحتفاظ بها، بما في ذلك الإطلاع على المعلومات المتعلقة بكيفية إعمال هذه الحقوق والحريات في النظم التشريعية أو القضائية أو اﻹدارية المحلية؛
(ب) حرية نشر اﻵراء والمعلومات والمعارف المتعلقة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية أو نقلها إلى الآخرين أو إشاعتها بينهم، وفق ما تنص عليه الصكوك المتعلقة بحقوق الإنسان وغيرها من الصكوك الدولية المنطبقة؛
(ج) دراسة ومناقشة وتكوين واعتناق اﻵراء بشأن مراعاة جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية في مجال القانون وفي التطبيق على السواء، وتوجيه انتباه الجمهور إلى هذه الأمور بهذه الوسائل وبغيرها من الوسائل المناسبة.
7) لكل شخص، بمفرده وبالاشتراك مع غيره، الحق في استنباط ومناقشة أفكار ومبادئ جديدة بصدد حقوق الإنسان وفي الدعوة إلى قبولها.”
كما أن الالتزام بإعمال الحق في حرية التعبير أو تيسير التمتع به يقتضي أن تتخذ الدول تدابير إيجابية واستباقية من بينها على سبيل المثال إيلاء اهتمام كاف وتخصيص موارد كافية من أجل منع الاعتداءات على الصحفيين وكل من يعبر عن رأيه ويكون هناك خطر تعرضهم للمضايقة بسبب هذه الآراء، واتخاذ تدابير خاصة للتصدي لتلك الاعتداءات بما في ذلك توفير الحماية . ومن الضروري التحقيق في التهديدات وكفالة الحماية الفعالة بوسائل منها، على سبيل المثال، عن طريق برامج حماية الشهود .بالإضافةإلىذلك،يقععلىالدولالالتزامبالتحقيقفي أية ﺗﻬديداتوأعمالعنف،بسرعةوشموليةوفعالية،بواسطةهيئاتمستقلةونزيهة.
كما ويجب كفالة جبر الضرر للأفراد الذين انتُهكت حقوقهم. وينطوي الجبر عموما على تعويض مناسب، ويمكن أن يشمل، عند الاقتضاء، رد الحق ورد الاعتبار وتدابير الترضية كالاعتذارات العلنية، وإقامة الأنصاب التذكارية العامة ، وتقديم ضمانات بعدم التكرار، وإجراء تغييرات في القوانين والممارسات ذات الصلة.
أهمية دور الصحافة
كثيرا ما يتعرض الصحفيين الذين يقومون بنقل الأخبار المتعلقة بالمشاكل الاجتماعية للخطر، بما في ذلك الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات، أو يقومون بانتقاد الحكومات وذوي النفوذ، أو يبلغون عن انتهاكات حقوق الإنسان أو عن الفساد. وقد يكون أحد أكبر العوامل التي تفاقم التهديدات وأعمال العنف ضد الصحفيين هو الإفلات من العقاب، أو عدم التحقيق في الأفعال المرتكبة ومقاضاة الأشخاص المسؤولين.
لقد نظر المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي والتعبير في مسألة حماية الصحفيين وغيرهم من الإعلاميين، والاحتياجات الخاصة لحماية الصحفيين حيث يؤكد على الدور الهام الذي يضطلع الصحفيون به في إطار الضوابط والموازين في اﻟﻤﺠتمع، ويساهمون بالتالي في تطور الديمقراطية وتعزيزها من خلال ممارسة حقهم في حرية التعبير، أو جمع المعلومات وتحليلها ونشرها، وضمان حق الجمهور في الحصول على المعلومات. ويقوم الصحفيون بدور رقابي أساسي في ضمان الشفافية والمساءلة في إدارة الشؤون العامة وغيرها من مسائل الاهتمام العام عن طريق إطلاع الجمهور على ما يجري. غير أن دورهم الرقابي وقدرﺗﻬم على التأثير في الرأي العام هما ما يؤديان في كثير من الأحيان إلى جعلهم أهدافا لمختلف انتهاكات حقوق الإنسان. كما ويشدد المقرر الخاص أن هذه الانتهاكات تشكل أولا وقبل أي شيء، انتهاكا لحق الصحفيين في حرية التعبير وحرية الصحافة، كما وتشكل الاعتداءات على الصحفيين أيضا انتهاكا لحق الجمهور في الحصول على المعلومات.
حرية التعبير وجرائم الارهاب
لقد أسيء استخدام مفهوم الأمن القومي لفرض قيود واسعة غير مبررة على حرية التعبير، وجاءت أبرز تجلياته في أعقاب هجمات أيلول /سبتمبر 2000، وتجدد الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب .ومن المشاكل التي نواجهها في هذا المجال التعريف الغامض و /أو الفضفاض لمصطلحات أساسية مثل الأمن والإرهاب فضلا عن الأعمال المحظورة مثل تقديم الدعم الإعلامي للإرهاب أو التطرف، و “تمجيد” الإرهاب أو التطرف أو الترويج لهما، ومجرد تكرار أقوال الإرهابيين، و إساءة استخدام المصطلحات الغامضة للحد من الخطابات ذات الطابع النقدي أو الهجومي، بما في ذلك الاحتجاجات الاجتماعية التي لا تشكل تحريضا على العنف، واتساع نطاق استخدام تقنيات المراقبة وتقلص القيود على عمليات الرقابة، الأمر الذي يؤثر سلبيًا على حرية التعبير.
وقد أعرب المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بحماية حقوق الإنسان عن قلقه البالغ من استخدام إجراءات لمكافحة الإرهاب كثيرا ما تكون مبهمة وبالتالي تبدو متنافية مع شرط المشروعية حسبما هو وارد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وعليه، فإن هذه القيود والإجراءات لا تقتصر على مكافحة الإرهاب ولكن يمكن أن تستخدم أيضا فيما يتعلق بالتعبير عن الرأي الخالي من العنف. وفيما يتعلق ببعض العبارات والمفاهيم الفضفاضة والمبهمة مثل ”التشجيع غير المباشر“ لأعمال الإرهاب ”والتمجيد“، الذي يفسر بأنه يتضمن ”أي شكل من أشكال الثناء أو الاحتفال“ فلقد أثنى المقرر الخاص على الإدراج الصريح لعنصر النية في بعض أجزاء القوانين، إلا إنه يأسف لأن النية لا تشكل دائما عنصرا ضروريا من عناصر الجريمة ولأنه من الممكن بوجه خاص أن ترتكب جريمة تشجيع الإرهاب ونشر المنشورات الإرهابية بفعل ”الإهمال“. ويرى المقرر الخاص أنه بعدم وضع حد أقصى للتجريم بوضوح، فإن عبارتي ”تمجيد“ الإرهاب أو ”تشجيع الإرهاب بصورة غير مباشرة“ لا تتيحان للأفراد أن ينظموا سلوكهم على النحو السليم وهذا لا يتفق مع أحكام المادة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقد يصل إلى مستوى التقييد غير المتناسب لحرية التعبير.
ويؤكد المقرر الخاص الصلة القوية بين حرية التعبير والحقوق السياسية وحرية تكوين الجمعيات. وفي هذا الخصوص، فإنه يؤكد على أن وجود الأحزاب السياسية أمر حاسم بالنسبة لوجود مجتمع ديمقراطي . فلاينبغياتخاذتدبيربحلحزب
سياسي إلا في أقصى الحالات خطورة، وألا يتم ذلك إلا على أساس وقائع . ويجب ألا يشكل قيام أي حزب سياسي بنشر أفكارا مخالفة أو مناقضة لأفكار الأغلبية أو لأفكار الحزب الحاكم أساسا لحظره . ويكرر المقرر الخاص أن من طبيعة الديمقراطية السماح للأحزاب السياسية بالتعبير عن أفكار مختلفة، حتى لو كانت تلك الأفكار تشكك في التنظيم الحالي للدولة أو للحكومة التي في السلطة. والمسألة الأساسية التي يجب النظر بها في هذه الحالة هي ما إذا كانت المنظمة تستخدم وسائل إرهابية تتناقض بصفة جوهرية مع الديمقراطية وتهدف إلى تدميرها .
وعلى وجه الخصوص، تناول المقرر الخاص باختصار مسألة حظر المنظمات بسبب تحريضها على الإرهاب، حيث انه يؤكد على إن تجريم التحريض على الإرهاب في حد ذاته مطلوب ومتسق تماما مع الالتزام بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يحظر الدعوة إلى الكراهية القومية والعنصرية والدينية، التي تشكل تحريضا على الأعمال العدائية أو العنف. ولكن يلاحظ المقرر الخاص أنه لضمان ألا يكون هناك تحريف للرسالة الأخلاقية المتمثلة في إدانة الإرهاب، فلا بد من تحديد شروط جريمة التحريض بدقة تامة. وهنا ينبغي استيفاء ثلاثة شروط: أولها، أن يكون هناك قصد وراء التحريض على ارتكاب جريمة إرهابية؛ ثانيا، ألا يكون هذا القصد من شخص واحد أو من عدة أشخاص، بل ينبغي أن يكون هو قصد الجمعية أو الجماعة أو الحزب السياسي ككيان جماعي؛ وثالثا، أن يوجد احتمال فعلي بأن يتم ارتكاب هذا العمل.
استنتاج
من الواضح ان عدد من الانتهاكات التي تواجه عدد من نشطاء حقوق الإنسان، الصحافة، المدونين، والنشطاء السياسيين لها علاقة وثيقة بالحق في التعبير عن الرأي. كما وأن لحرية الرأي والتعبير دور هام لعمل المنظمات غير الحكومية التي لها دور مفصلي في حماية حقوق الإنسان وصيانة الديمقراطية وحكم القانون. إن عدم تمكين الصحافة من ممارسة الحق في حرية تبني الآراء، والتحاور حولها وممارسة حرية التعبير، بعيدا عن خطر التقييد المخالف للقانون الدولي، سوف يمنع المنظمات والصحافة من القيام بعملها بشكل فاعل مما يشكل عائقا أمام تقدم المجتمع.
مرفت رشماوي*
* مستشارة مستقلة في مجال حقوق الانسان عملت سابقا كمستشارة قانونية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأمانة الدولية لمنظمة العفو الدولية. كتبت هذه المقالة بالاستناد إلى آراء هيئات الخبراء في الأمم المتحدة، ولكنها تشمل أيضا آراء الكاتبة الخاصة حول الموضوع.